تصاعدت الهجمة التى تشنها الجماعات السياسية والمالية المنتمية إلى عهد الرئيس المخلوع «حسنى مبارك» ضد ثورة 25 يناير2011 ، وعلى الهيئات الوطنية والجماعات والرموز التى شاركت فى التمهيد لها، وقيادة أحداثها، فى الفترة الأخيرة، مستفيدةً من المناخ الذى صاحب قيام جماعات الإرهاب والتكفير، بقيادة «الإخوان»، بعملياتهم التخريبية داخل العاصمة وفى المحافظات، وفى سيناء والحدود الغربية للبلاد، فى محاولة يائسة لتعطيل محاولات الشعب المصرى لتحديد مصيره، وسعياً للانتقام من الشعب المصرى، الذى ثار على حكمهم وأسقطه وأسقط الرئيس المنتمى لهم «محمد مرسى»، بعدما استشعر المصريون الخطر الداهم على الدولة الوطنية، وعلى وحدة أبناء الشعب ومصيرهم، وعلى الشخصية المصرية التاريخية ومستقبل الشعب كله. واتخذت هذه الهجمة أبعاداً بالغة العدوانية والشراسة،بعد الاستعراض المسرحى المسمّى «محاكمة القرن»، حيث مُنحت الفرصة لمحامى الرئيس المخلوع، ثم للرئيس المخلوع نفسه، ولكبار زبانيته، وفى مقدمتهم وزير الداخلية الدموى الأسبق «حبيب العادلى»، (الذى كانت ممارساته، وممارسات أجهزته القمعية سبباً رئيسياً من أهم أسباب الثورة على نظام «مبارك» فى25 يناير)، للتعريض بالثورة، والتشهير بكل من ساهم فيها، باعتبارها «مؤامرة أجنبية» كاملة الأوصاف، لا تمت للثورة، أو للمصالح الوطنية بصلة !! ففى مرافعته عن الرئيس المخلوع سأل ''فريد الديب'' المحامى سؤالاً محدداً: هل (أحداث يناير) ثورة أم مؤامرة استغلت الثورة ؟!.. ثم أفاض فى الجواب النافى لكون هذه الأحداث تمثل - كما يؤمن أغلبية الشعب - ثورة شعبية حقيقية، مستنداً إلى تصريحات نفر من المسئولين السابقين المنتمين للنظام الذى ثارعليه الشعب، والذين تضرروا جميعهم من نتائج الثورة، التى أطاحت بهم من عليائهم، وأودعتهم أعماق السجون، جزاء مااقترفوه من مفاسد وجرائم، يدفع الشعب فاتورتها الباهظة حتى الآن، ولسنوات طويلة قادمة!. ومن الطبيعى أن يجتمع هؤلاء على تشويه الثورة، التى شارك فى ملحمتها عشرات الملايين من المصريين، وأن يُجمعوا على الإساءة إلى صورتها، بادِّعاء أنها لا تعدو أن تكون ـ بكل عظمتها ـ مجرد مؤامرة لتدمير مصر والمنطقة، خططت لها ومولتها وأعدت سيناريوهاتها الولايات المتحدة الأمريكية! فاللواء الراحل «عمر سليمان»، مدير جهاز المخابرات الأسبق، ونائب الرئيس الذى اختاره «مبارك»، مع إعلان تنحيه عن السلطة فى فبراير2011 يرى أن ماحدث فى25 يناير «كان مخططاً أمريكياً منذ عام 2005 وأنفقت عليه (أمريكا) أموالاً لتمويل الجمعيات».(1) أما شهادة الفريق «سامى عنان»، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، فقد اتفقت مع شهادة المشير «حسين طنطاوى» وزيرالدفاع الأسبق، والتى وصفت ماحال إليه أمر البلاد، فى يناير2011 باعتباره «مُخططا أمريكيا»!!. (2) وعلى نفس المنوال أتت شهادة «اللواء محمود وجدى»، وزير الداخلية الأسبق، الذى أكد أن ثورة يناير «مخطط خارجى، يستهدف تدمير مصر، وجعل مصيرها مثل العراق وليبيا»!. (3) ثم جاءت الشهادات المباشرة للواء «حبيب العادلى»، وزير الداخلية الأسبق، الذى أفاض فى شرح أبعاد مؤامرة 25 يناير0112 زاعماً أن الولايات المتحدة، فى سبيل تنفيذ مخططها، عملت على تحريك الشباب من «كفاية» و «6 أبريل»، وبعض شباب الأحزاب الشرعية (كالوفد)، وإقناعهم، وتدريبهم فى قطر وبعض الدول العربية.(4) واعتبر «العادلى» فى حديثه إلى المحكمة، يوم 13/8/2014 أن «30 يونيو ثورة كشفت مؤامرة يناير»!.(5) ولم يتوان «مبارك» هو الآخر فى مرافعته التى قرأها أمام المحكمة، يوم 13/8/2014 عن القيام بدوره المتوقع فى تشويه ثورة 25 يناير، التى أطاحت به من فوق عرش مصر، بعد ثلاثة عقود طوال من الاستبداد والفساد والتبعية والعجز والفشل، فاعتبرها «عودة للوراء، وقد استغلها المتاجرون بالدين لترويع وقتل الشعب»!.(6) وعلى مستوى آخر، أكثر هزلاً، تطوع رئيس نادى الزمالك، المستشار «مرتضى منصور»، الغنى عن التعريف، بالمشاركة فى احتفالية «سلخ ثورة يناير»، والتنكيل بسيرتها ورموزها، حيث اعتبر، بطريقته المعهودة، أن «الثورة»: «كانت مؤامرة على مصر لإسقاطها من قِبل مجموعة من الخونة»!، وأضاف خلال مداخلة تليفزيونية مع برنامج «مساء جديد»، على فضائية «التحرير»، ليلة 2014/8/13 أن «30 يونيو 2013 هى الثورة الحقيقية»، أما 25 يناير «فهى مؤامرة وليست ثورة»، قام بها «شوية عيال صايعة، خونة، هدفهم إهانة الشرطة»!.(7) وهى لم تصنع لمصر شيئاً سوى أنها «جابت لنا (بكابورت) الفيس بوك وقلة الأدب والسفالة»!.(8) وهكذا يمكن إيراد مئات الأمثله، مستمدة من تصريحات ومقالات وتعليقات عناصر انتمت لعصر مبارك، و«تمرغت فى خيره»، وتواءمت معه ومع فساد إدارته وعقم خياله، وأفاضت من «فيئها» على الشعب المصرى، فأورثته الفقر والبؤس والمرض والأمية.. والإرهاب أيضاً، ووجدت فى الظروف الراهنة فرصة مواتية لتصفية حساباتها مع الثورة الرائدة التى أطاحت بهم من عليائهم، وطرحتهم فى السجون، أو خارج المشهد، وهدّدت مصالحهم المادية والأدبية فى المجتمع، الذى حلبوا أضراعه على امتداد الثلاثين عاماً، من 1981 إلى2011 ، ومربط الفرس فى دعاوى هذه الطبقة، أن25 يناير لم تكن ثورة كما يتصور الشعب الذى قام بها، ونزل بالملايين تلبيةً لندائها، وهى لا تزيد عن كونها مؤامرة دنيئة، رتبتها الولايات المتحدة الأمريكية، للتخلص من «حسنى مبارك»!. لماذا تتآمر أمريكا للتخلص من واحد من أخلص خلصائها فى المنطقة؟! لا أحد يجيبنا بما يشفى الغليل، أو يقول لنا عن هذا الأمر العجيب شيئاً!، ولم يحدثنا أحد عن السبب الذى دفع الولايات المتحدة للتخطيط ولتدبيرهذه المؤامرة، والإنفاق عليها، للإطاحة «بحسنى مبارك»، مع ما قدمه لها من خدمات لا تُعد ولا تُحصى، ومع هذا فالتساؤل مشروع، وينبغى الإجابة عليه، دفعاً للالتباس القائم. فهل كانت ثورة 25 يناير«مؤامرة أمريكية» بالفعل، وتمثيلية خادعة صُنعت بليل فى ستوديوهات هوليوود، وتم الترويج لها، وخداع الملايين للارتماء فى أحضانها؟!. سنستند فى مسعانا للحصول على إجابات موضوعية على هذا التساؤل المهم، إلى مصادر أمريكية وغربية، فى المقام الأول، يصعب التشكيك فيها، وفى مقدمة هذه المصادر الأجنبية كتاب الباحث والأكاديمى الأمريكى المعروف، والخبير فى شئون مصر والمنطقة، «جايسون براونلى»، والمعنون فى الترجمة العربية بـ''إجهاض الديمقراطية.. الحصاد المُرّ للعلاقات المصرية - الأمريكية فى أربعين عاماً، عن النص الإنجليزى، بعنوانه الرئيسى: تتناول دراسة «براونلى» تطور العلاقات الاستراتيجية، الأمريكية - المصرية على امتداد نحو أربعة عقود، من خلال تتبعها مسيرة هذه العلاقات، خلال عهدى الرئيسين: «أنور السادات» و«حسنى مبارك». و«حسنى مبارك» سيكون محل تركيزنا، لارتباطه المباشر بثورة 25 يناير المجيدة، دون أن يعنى هذا تجاهلنا لأسباب الضعف والتشوه العميق فى بنية النظام السياسى ـ الاجتماعى الحاكم فى مصر، وخاصةً منذ نهاية عهد 25 ثورة يوليو، بعد وفاة الرئيس الأسق «جمال عبدالناصر» والتى تراكمت، وانتقلت بالتبعية إلى فترة حكم «أنور السادات» ثم تفشت واستفحلت فى عهد «حسنى مبارك» ومازالت مستمرة حتى الآن. تتابع دراسة «براونلى» دقائق ومسارات علاقة نظام «مبارك» بالإدارات الأمريكية المتتابعة، إذ عاصر الرئيس المصرى «المخلوع» الفترات الرئاسية لخمسة من الرؤساء الأمريكيين، (هم: رونالد ريجان، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج دبليو بوش الابن، وباراك أوباما)، فضلاً عن معاصرته فترة ولاية «جيمى كارتر»، حينما كان «مبارك» نائباً للرئيس. وقد حرصت الإدارة الأمريكية والحكم المصرى، كلٌ من جهته، على كفالة الشروط الضرورية لاستمرار هذه العلاقة وتنميتها بجميع السبل المتاحة، منذ التصريح الشهير لأنور السادات: 99٪ من أوراق اللعبة فى أيدى الولايات المتحدة، ثم ماتلى ذلك من تحولات سياسية واقتصادية عاصفة، واكبت سيطرة السادات ـ منفرداً- على مقاليد السلطة فى 15 مايو.1971 فقد قاد «أنور السادات» البلاد فى مسار مناقض تماماً لمسار «جمال عبدالناصر»، منطلقاً من انحيازات اجتماعية وسياسية مختلفة، بدت منذ إطلاق سياسة «الانفتاح الاقتصادى»، أو«التصحيح الهيكلى»، أو غيرها من المسميات، والتى استهدفت إعادة برمجة الاقتصاد والدولة، لصالح تحالف السلطة ورأس المال، دون ضوابط أو محددات، اللهم إلا الضوابط والمحددات التى تحقق مصالح الطبقة الحاكمة، الأمر الذى فتح الأبواب أمام سطو واسع من الفساد البنيوى، وصفة الكاتب الكبير الراحل «أحمد بهاء الدين» بـ«انفتاح السداح مداح»!!. أى الذى بلا رابط أو قانون أو ضابط أو قاعدة، تحقق المصلحة العامة، وتحمى الثروة الوطنية من النهب والتجريف، على نحو ماحدث طوال عصر «مبارك». ومنذ أن تولى الرئيس «المخلوع» حسنى مبارك مقاليد الحكم بعد اغتيال «أنور السادات» فى 6 أكتوبر1981 تحرص الإدارتان: الأمريكية والمصرية على استمرار السياسات التى أرسى قواعدها «السادات»، بثبات حازم، والتزام صارم، ولم يسع أى منهما، ولم يسمحا بتجاوزها، رغم كل الضغوط والملابسات، واستطاع هذا التوجّه أن يحافظ على مستوى العلاقات المتينة بين الطرفين حتى فى أحلك الظروف، بل إن التطورات السياسية التى تدافعت فيما بعد اغتيال السادات، كانت تصب فى صالح هذا المبدأ، وخصوصاً بعد تفجيرات مركز التجارة العالمى الأول، عام1993 ، وما انتهت إليه الاتهامات والتحقيق من ضلوع الشيخ «عمر عبدالرحمن» مع هذا الاعتداء، وخاصة مع اتضاح علاقة «عبد الرحمن» بواقعة اغتيال «أنور السادات». التعاون فى برنامج «التسليم الاستثنائى»: وكان أبرز تجليات هذا الوضع، هو انضمام الولايات المتحدة، إلى حرب «مبارك» ضد الإرهاب، كما يقول الباحث الأمريكى، «براونلى»، تم على إثرها إلقاء القبض على «إرهابيين محتملين فى الخارج، وإرسالهم إلى مصر، حيث جرى اعتقالهم وتعذيبهم. وفى حالات أخرى تم «إعدامهم»، (تحت إشراف «عمر سليمان» مدير جهاز المخابرات الأسبق)، وقد أدى هذا التطور - كما يقول الباحث - إلى «تغيير العلاقات المصرية - الأمريكية، من علاقة مبنية على الاستراتيجية، إلى علاقة مبنية على أنشطة مخابراتية متبادلة». فى هذا السياق، فقد مثلّ التعاون فيما أُطلق عليه برنامج (التسليم الاستثنائى، Extraordinary Rendition) نقله مهمة، ويعنى هذا المصطلح: عمليات الترحيل القسرى، التى قامت بها المخابرات الأمريكية، لأفراد يُشتبه فى كونهم على علاقة بأنشطة إرهابية، إلى دول مثل مصر والأردن، حتى يتسنى استجوابهم على نحو يتجاوز القانون الدولى وحقوق المتهمين المحتجزين. وطيلة هذه الفترة، كما يلاحظ الباحث: «ازدهرت السلطوية فى مصر، وأصبح «مبارك»، (برعاية ومباركة الولايات المتحدة والغرب وتوابعهما): «الرئيس الأطول حكماً فى تاريخ مصر الحديث»، إلى الحد الذى بات معه: «أمنه السياسى وبقاؤه فى سدة الحكم جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية»!.(9) ولم يحل السجل الأسود لمبارك فى قضية الحريات دون أن تستمر الولايات المتحدة فى دعمه، وإسباغ الحماية على نظامه، فقد كان «بوش الأب»، على سبيل المثال، كما يقول «برنت سكوكروفت»، مستشاره لشئون الأمن القومى يهاتف «مبارك» بانتظام، سواء لدردشة قصيرة أو مناقشات موسّعة (10)، للتداول حول الشئون المشتركة، حيث كان بتعبيرات «بوش» نفسه، على اتفاق تام مع «مبارك» فى كل القضايا تقريباً!.(11) الهوامش : 1ـ 2 ـ 3- جريدة «المصرى اليوم»، «الديب»: «25 يناير ليست ثورة.. ولكنها مؤامرة خارجية على مصر»!. 4- جريدة «الوطن»، «العادلى»: ثورات الربيع العربى مؤامرة أمريكية»، 10/8/.2014 5- جريدة «المصرى اليوم»: «العادلى»:30 يونيو ثورة كشفت مؤامرة يناير» 14/8/2014 6- المصدر نفسه. 7- على «اليوتيوب»: «مرتضى منصور»: صانعو 25 يناير شوية عيال صايعة، خونة هدفهم إهانة الشرطة !! 8- على «اليوتيوب»، فى برنامج المذيع «أسامة كمال»،29 مايو2014. صدرت الترجمة العربية لهذا الكتاب، عن «دارالثقافة الجديدة»، ترجمة : أحمد زكى عثمان، القاهرة، الطبعة الأولى، عام2013. 9- جايسون براويلى، إجهاض الديمقراطية: الحصاد المرّ للعلاقات المصرية - الأمريكية فى أربعين عاماً، ترجمة: أحمد زكى عثمان، دار الثقافة الجديدة، القاهرة،2013 ، ص:7 8ـ المصدر نفسه. 9ـ المصدر السابق، ص:88. 10ـ المصدر نفسه. 11ـ المصدر نفسه.
تنـويـــه سقط سهوا من مقال الأستاذ أحمد بهاء شعبان بالعدد الماضى كلمة «غير» من عنوان «انتبهوا.. إسرائيل غير مهيأة للسلام.. والحرب على غزة مستمرة» ونشر العنوان على غير حقيقة الموضوع الذي يحذر من عدوانية إسرائيل المستمرة.