مهما ارتفع علو الموج وتسارعت قوته وحتى لو تحول إلى تسونامى، فإنه لابد له فى النهاية أن ينكسر على صخور الشاطئ، أو تمتصه الرمال، ولا مفر من جزر بعد كل مد، وتسونامى الإرهاب قد بلغ ذروته فى مد دموى اجتاح سيناء ومترو الأنفاق، وأخيرا المياه الإقليمية لمصر شمال ميناء دمياط، وأثار موجة من الذعر، غير أن هذه الصورة السوداء الكئيبة كان فيها الكثير من كشف جوانب غائبة عن المصريين، وهى قياس حجم المؤامرة التى تحاك ضد مصر والمصريين، وفى نفس الوقت بينت كيف أحكم الجيش مراقبته لجميع الحدود سواء فى سيناء أو فى المنطقة الغربية أو حدود السودان. لذلك لم يجد المتآمرون والإرهابيون منفذا للنفاذ إلى الوطن سوى عرض البحر، لتكون هذه العملية بمثابة إعلان تليفزيونى لهز صورة مصر أمام العالم وتصويرها على أنها بلد غير مستقر، وهدم جميع المنجزات التى جرت خلال الفترة الماضية، وليس مستبعدا أن يكون مع البلنصات التى أطلقت النيران على لنش البحرية المصرى آلات تصوير للبث على قنوات بعينها لتقوم بالمهمة المتفق عليها وهى إظهار عجز وضعف الجيش المصرى! ولم يكن ذلك إلا مجرد أوهام وتضخم فى الخيال فى أذهان من خططوا لذلك. الملفت هو الأعداد الكبيرة المسلحة التى قامت بمهمة الغدر بقواتنا البحرية، حيث تم ضبط أعداد كبيرة تتراوح بين 03 و 04 متهما، فكم يبلغ عدد المنفذين الفعليين للجريمة النكراء؟ وسوف تكشف التحقيقات عن الكثير من المفاجآت والأسرار الخاصة بهذه العملية الدنيئة، خصوصا جنسيات المتهمين والبلاد التى تم تدريبهم فيها والأسلحة الحديثة التى استخدموها والمبالغ التى دفعت لهم والكيفية التى تسللوا بها إلى المياه الإقليمية لمصر. لقد أثار الحادث تساؤلات مهمة حول علاقة ما جرى بإعلان القاهرة الذى ضم مصر واليونان وقبرص، واتفاقها على ترسيم الحدود البحرية بينها، وهل ما حدث له علاقة بإعلان البحرية التركية إجراء مناورات فى البحر المتوسط تحت اسم «الحوت الأزرق» ردا على إعلان القاهرة؟ وهل «الحوت الأزرق» هو الذى قذف بالبلنصات البحرية إلى المياه الإقليمية لمصر؟ هذه الأسئلة ستجيب عنها التحقيقات التى تتم الآن مع المتهمين. الحادثة بدورها ألمحت إلى قيام وضع جديد يشير إلى بدء انحسار المد الإرهابى ودخوله مرحلة الاحتضار بعد أن برهنت أن عيون وآذان القوات المسلحة ترصد كل شىء برا وبحرا وجوا. سيناريو يوم القيامة الذي أعده المتآمرون - قطر وتركيا - لم يتحقق، وفشل فشلا ذريعا بدليل قتل وضبط كل الإرهابيين الذين شاركوا فى الهجوم البحرى الغادر، وغاب عن أذهان المتآمرين أن البحرية المصرية لا تختبر باعتبار أنها ثالث قوة بحرية فى البحر المتوسط وأكبر قوة بحرية فى قارة إفريقيا، ويكفى أن نتذكر بطولاتها البحرية وأبرزها إغراق الحفار الإسرائيلى فى ساحل العاج، وتدمير وإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات - وكانت تضم خمس قطع بحرية - ناهيك عن إغلاق البحر الأحمر فى وجه الملاحة الإسرائيلية فى حربى 76، 3791، والسيطرة على باب المندب فى حرب أكتوبر. إن ما حدث من عنف وإرهاب وقرصنة بحرية ضد قواتنا وأبنائنا يستحق أن يطلق عليه بصدق أسبوع الآلام، والمصريون هم الذين يتحملون ضغط الآلام بالإضافة إلى متاعبهم اليومية، ولايعرفون ترف الجدل السياسى والاشتباك حول القوائم ولا يعرفون الخلاف على التحالفات أو توزيع تورتة عضوية مجلس الشعب. عدد كبير من المصريين يشكون الفقر وغيرهم من السياسيين والحزبيين يتباهون بالترف والجدل السياسى فى كل شىء. هل من ترف سياسى أكثر من رؤية الإرهاب وهو يشعل نار الفتنة فى ربوع الوطن فيما عدد من المثقفين والسياسيين عاجزون عن تشكيل قائمة انتخابية موحدة لخوض الانتخابات؟ وهل من ترف سياسى أكبر من انشغال عدد من رجال الأعمال بمحاولة السيطرة على الإعلام ؟ ليست هذه أسئلة بل صرخات فى كل نقاش يتم بين الناس، سواء فى المقاهى أو الأندية أو البيوت، ولا أجوبة إلا على طريق المزيد من الشىء نفسه، والسياسى أو الحزبى وشبه المثقف يسأل بدلا من أن يجيب، والناس تفتش عن إجابة عند الحزبيين وأشباه المثقفين فلا يجدون سوى الفراغ. ليس من المعقول أن يستمر هذا الوضع المزرى، ولا من المقبول أن يكون المثقفون والحزبيون كل همهم قائمة أو عضوية البرلمان، ويتركون الأيادى القذرة للإرهاب تعبث فى الوطن دون أى مواجهة أو فضح أو كشف أو تجمع من جانب كل هؤلاء النخبة والمثقفين والأحزاب وأساتذة الجامعة لكى يقفوا للإرهاب بالمرصاد ويقولوا له: لا.. أو تشكيل حائط صد ضد الإرهاب. هل خاتمة هذا العام بكل أحداثه المهمة الكبيرة أن تترك النخبة والمثقفون والسياسيون الشعب وحده يواجه الإرهاب الذى يقتل آمال الناس ومستقبلهم فى حياة أفضل ويغلق الفرص أمامهم. حين يفتح السياسيون ملفات الإرهاب ويواجهون المخططات التى تحاك ضد الوطن، فإنهم بذلك يقومون بأدوارهم الحقيقية ويسددون ما عليهم من دين للوطن،،، هم مدينون له بالكثير وأبسط شىء هو حق المواطنة وشرف الانتماء إلى الوطن. والمواجهة الحقيقية للإرهاب تتطلب أن يقف المسئولون والمثقفون والسياسيون بجانب هموم الوطن، وأن يبتعدوا عن طرح قضايا للتسويق الإعلامى والسياسى وليس لمعالجة مشاكل الناس الحقيقية فى حد ذاتها. فى هذه الأجواء التى تدعو للتلاحم والاصطفاف الوطنى لابد من طرح رؤية خلاقة تستوعب ما يجرى داخل الوطن من أحداث وتكون هذه الرؤية قراءة للواقع الذى نعيشه وفى نفس الوقت تتضمن حلولا عملية لكل ما يعانيه الوطن والبشر، وإذا تم اعتماد هذه الرؤية تكون مصر قد وضعت حجر الأساس لبناء دولة عصرية.∎