حين تكون هناك تطورات سلبية لا يجوز إلا تسليط الضوء عليها. وحين تكون هناك تطورات إيجابية، فمن الظلم التعتيم عليها. بين الأسبوع الماضى والأسبوع الحالى انقلبت الأمور من أقصى درجات الإيجابية إلى بعض درجات السلبية.. فى الحرب الدائرة الآن بين قوات التحالف والحوثيين، وذلك على مستوى تدمير البنية الأساسية لليمن، وكذلك على قتل عدد من المدنيين وتشريد آلاف آخرين. بخلاف استمرار الحرب للأسبوع الثالث على التوالى، وهو ما تسبب فى إحداث فوضى فى اليمن بعد أن قام الرئيس اليمنى المخلوع على عبدالله صالح والموالون له باقتحام السجون وتهريب المساجين، وهو ما وصفه الكثير من المراقبين بأن ما يجرى هو ورطة اليمن، بمعنى أن ما تم من ضربات جوية لليمن قد استنزف وسيستنزف ثروات كثيرة وأموالا باهظة على جانب. وعلى الجانب الآخر، لم تتحقق إلى الآن نتائج إيجابية خالصة بالقضاء على الحوثيين الذين يعتبرون بمثابة اليد الطولى لإيران التى تستخدمها فى العبث بأمن واستقرار منطقة الخليج. فى مقابل ما يطلق عليه بورطة اليمن تم تحجيم وتقليص نفوذ الحوثيين وانقلاب القبائل اليمنية عليهم، وفى بعض الأحيان محاصرة فلولهم، وهو ما يعد إنجازا على مستوى الحرب الدائرة. هذه التطورات تطرح سؤالا بعد تحقيق هذه الإنجازات، ولتلافى عدد من السلبيات المحتملة: هل سننام على الإنجازات التى جرت على الأرض، أم ستتحرك ما يسمى بعاصفة الحزم فى اتجاه المزيد من تحقيق الإنجازات؟! ما يجرى على أرض اليمن يحتاج إلى حلول سريعة لأن المشاكل عديدة ومتراكمة على كل المستويات الأمنية والحياتية والمعيشية. والمشكلة التى يقال عنها إنها بالمعنى الشعبى أنها «استوت»، هى مشكلة اتساع نطاق الحرب وامتدادها وطول أمدها، كما أن دخول المزيد من دول العالم كطرف فى الحرب الدائرة.. باكستان وماليزيا والسنغال وتركيا، وهو ما يمثل تدشينا لما يطلق عليه الحرب بين السنة والشيعة، وهو أيضا ما يطلق عليه المراقبون بورطة اليمن. وهو الفخ الذى تخطط أمريكا لإيقاع دول المنطقة فيه، وهو ما يبدو أنه يحدث بالفعل على أرض الواقع، خصوصا أننا لا نعرف بماذا ستتصرف إيران تجاه ما يجرى. حقيقة الأمر أن الأوضاع فى اليمن على كف عفريت، ولم يعد التفاؤل بحل أزمة اليمن قريبا. وبعد أن استولى الحوثيون على مقر الرئاسة فى عدن، فإن اليمن يتراجع أمام زحف التخلف والانتقام الذى يقوم به أعوان المخلوع على عبدالله صالح والذين يحملون شعارات الموت والتحدى ومخالفة القانون. لقد ضاعت أوراق كثيرة فى اليمن، وحصلت السعودية على أوراق رابحة فى مقابل خسارة أوراق أخرى. فقبيلة الأحمر وقبائل حضرموت انقلبوا على الحوثيين وأعلنوا تأييدهم لقوات عاصفة الحزم، فى ذات الوقت الذى انضمت قوات الحرس الجمهورى المتعاطفة مع الرئيس المخلوع للحوثيين، وهو ما يكشف عن كيفية استيلاء الحوثيين على مقر الرئاسة فى عدن، على أساس أن قوات عاصفة الحزم تتعامل مع الحوثيين من الجو، ولا يوجد لها قوات برية. فضلا عن أن القوات الجوية للتحالف تتجنب ضرباتها البنية الأساسية لليمن، وتبتعد عن مساكن المدنيين، وهو ما أتاح للحوثيين والحرس الجمهورى التقدم والاستيلاء على مقر الرئاسة. وهناك فرصة أمام اليمن ودول عاصفة الحزم بعد الدخول فى الأسبوع الثالث للحرب، وهى بدء مفاوضات بين جميع الفصائل السياسية اليمنية بدون استبعاد أى فصيل مادام لا يحمل السلاح، لتكون هذه الفصائل معاونة للشرعية للتخطيط لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب فى اليمن التى تطالب بسرعة إيقافها بعد أن تحقق أهدافها وهى عودة الشرعية. فضلا عن قيام الفصائل اليمنية بطرح خطة شاملة لإنقاذ اليمن من عثرته، وانتشاله من دائرة الفقر المدقع، تعتبر اليمن رقم 7 فى قائمة الدول الأشد فقرا على مستوى العالم. المشكلة ليست فى السباق مع الوقت، وتجاهل الوضع الذى آلت إليه اليمن من فوضى وتشريد وتدمير للبنية الأساسية. فتجاهل الوضع العام لورطة اليمن وحال الناس يؤدى إلى تفاقم الأزمة واتساع دائرة الصراع وانتشار ثقافة الكراهية والانتقام. ما يجرى فى اليمن من شن هجمات جوية على منظمة مسلحة تحتمى بالمدنيين، هناك الكثير من التجارب السابقة التى أثبتت فشلها، كما حدث فى أفغانستان ولبنان وعدة دول إفريقية. لقد دقت ساعة الوفاق للالتفاف حول وحدة واستقرار اليمن، وندعو جامعة الدول العربية بأن تقوم بدورها بتجميع الفصائل السياسية اليمنية حول مائدة المفاوضات لتحقيق المصالح العليا لليمن، وذلك بالتزامن مع ما تقوم به قوات عاصفة الحزم من إخماد التمرد الحوثى وقطع الذراع الإيرانية فى اليمن بعد أن سيطرت طهران على بغداد، وأن تكون الفصائل اليمنية بمثابة سد منيع لوقف التمدد الإيرانى. كفانا انشقاقات وخلافات وصراعات.. دعونا نفتح أبواب الوفاق على مبادئ ثابتة ودائمة، وتحديد فترات زمنية لتنفيذ هذه المبادئ والمطالبات، لأن ما يدور فى المنطقة العربية يبدو كأنه لعبة بلا قواعد لتفكيك النظام الإقليمى وسط خلل فى النظام العالمى، وشىء من إدارة فوضوية بالخروج بأوضاع جرى ترتيبها قبل حوالى قرن من الزمان بحسابات دقيقة حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على رعايتها وتنفيذها. وبنظرة إلى الشرق الأوسط فلا نجد إلا مشهدا ضبابيا يصعب تصور ما سيكون عليه بعد انتهاء حرب اليمن، خصوصا بعد انتشار ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابى فى عدد من الدول، وسيطرة تنظيم القاعدة على بعض المناطق فى اليمن، ومحاولات التهجير لأعراق وأقليات وأبناء مذاهب. ومن مميزات السياسة المصرية أن هناك سياسيين لهم القدرة والطاقة على التحرك بالسرعة المطلوبة والسلاسة المتوافرة بحيث تشكل تحركاتهم مردودا وطنيا لمصر قبل أى شىء آخر. هذا النهج تقوم به القيادة السياسية الآن، فكانت لقاءات هذه القيادة خلال القمة العربية التى أقيمت الأسبوع الماضى فى شرم الشيخ، وما أعقبها من اتصالات ولقاءات شبه دورية، وهو ما وضع الدبلوماسية المصرية على أرفع مستوياتها، وهذا النهج الذى انتهجته القيادة السياسية يخدم المصالح المصرية العليا. ويندرج ضمن هذا الإطار اللقاءات التى تمت مع الزعماء الأفارقة والاتصالات المتتالية، وهو ما يؤدى إلى اكتساب أهمية قصوى للسياسة المصرية فى هذا الظرف الاستثنائى الذى تمر به منطقة الشرق الأوسط، ومصر فى قلب هذه الحروب والتحولات. ونؤكد هنا أن الجيش المصرى يقف فى طليعة القوى العالمية التى تتصدى للإرهاب بكل قوة، وليس بعيدا ما يقوم به الجيش من المحافظة على الأمن القومى المصرى فى البحر الأحمر وقطع أى أيدٍ عابثة تحاول الإخلال بالأمن والاستقرار هناك، وهذا هو دور القوات المسلحة المصرية على مدار التاريخ. التحدى كبير، لكن الحل المجدى والفعال والثابت هو ضرورة الحوار والجلوس على مائدة المفاوضات بين الفصائل اليمنية المتصارعة للم شملهم ويكونوا حائط الصد ضد قوى التخلف من الحوثيين. فهل يتحقق هذا الأمل، أم تستمر الخلافات.. ومن ثم تؤدى إلى مزيد من ورطة اليمن؟!∎