مازال المصريون يعيشون صدى الصمت الانتخابى الذى جرى فى المرحلة الأولى لانتخابات مجلس نواب 2015. والصدى المتألم من هذه الانتخابات ناجم عن ردود الفعل لما تم من ضعف نزول الناخبين إلا فيما ندر. فهل تشكل هذه الندرة مسار المرحلة المقبلة؟ هذه الانتخابات التى أصابت الكثير من المراقبين بالحيرة والارتباك, لم يستوعبوا الدرس الذى كشف عنه الصمت الانتخابى بأن ضعف الإقبال هو بمثابة رسائل عن عدم رضاء الناس عن الكثير من الأمور التى تتعلق بحياتهم المعيشية، وأهمها ارتفاع أسعار السلع الأساسية التى ترتبط بحياة الناس, وعدم تحقيق كثير من الآمال التى تعلق بها الناس وصبروا من أجلها، وأهمها إيجاد نوع من العدالة الاجتماعية. جرت أيضا الانتخابات وسط محاصرة الناس بارتفاع أسعار الدروس الخصوصية وما أشيع حول قانون الوظيفة المدنية. أسباب كثيرة منعت المصريين من النزول إلى صناديق الانتخابات، ومنها أيضا عدم وجود منافسة حقيقية ما بين المرشحين الذين تكاسلوا عن تعريف الناخبين بهم، وعدم طرحهم لأى برامج أو حلول لمشاكل الناس، حتى إن بعض القوائم الانتخابية التى تم طرحها تحت مسميات عن حب مصر والمستقبل والوطن، جلس أصحابها فى منازلهم باعتبار أنهم قد حصلوا على عضوية مجلس النواب، ولم يكلفوا أنفسهم حتى المرور فى دوائرهم، على أساس أن رأس القائمة هو الذى يقوم بالدعاية الانتخابية. أياً تكن الأسباب والمبررات التى حالت بين نزول الناس لصناديق الانتخابات فإن رسالة الصمت الانتخابى كانت مدوية بأن الناس تريد سرعة الإنجاز والإصلاح ومحاسبة رموز الفساد التى تحولت إلى وحوش كاسرة، كشفت عن وجهها القبيح فى عدد من المجالات، وآخرها أنها تريد تبييض وتنظيف وجهها سواء بنزولهم كمرشحين فى الانتخابات أو الدفع بعدد من المرشحين لدخول مجلس النواب ليكونوا صوتهم ولسان حالهم. وآخر تقاليع تنظيف الأيدى هو فتح باب المصالحة مع المتهمين فى قضايا الفساد أو الكسب غير المشروع رغم مخالفة ذلك للقانون والدستور لما يسمى بالمصالحة. إن الشعب دائما هو المعلم. كما قال الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، لأن فاتورة التعطيل باتت أكبر من أن تحتمل ولا حاجة إلى تكرار أن الفساد يحاول العودة من جديد وبوجوه مختلفة. إن أسهل أنواع السياسات هو عدم القيام بأى شيء أو بأى مبادرة. أما أصعبها فهو السياسات التى تقوم على الاختيار والوعى وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. لقد اختار الناس الصمت وفضلوا البقاء فى بيوتهم أو الجلوس على المقاهى أو النوم، فهم متعبون.. أتعبتهم الأسعار.. وأتعبتهم الإشاعات.. وأتعبتهم لوغاريتمات الانتخابات.. وأتعبتهم المحطات الفضائية.. وسقطت أحلامهم عن الأمل بحياة محاطة بالستر والتحايل لرفع مستواهم المعيشي. وضاعت الشعارات الجميلة تحت أقدام الانتهازيين والمنافقين وأصحاب الشعارات الزائفة. والذكاء الفطرى والوعى الحضارى الذى يتمتع به المصريون اختار الصمت ليكون رسالة بأن من يتقدم صفوف المرشحين الكثير منهم لا قيمة له ولا يعرفه الناخبون، ومن أين أتى بكل هذه الأموال؟ وقد وصف عدد من الناخبين هذه المظاهر التى تتعلق بالذمة المالية والملايين التى تم إنفاقها فى الحملات الانتخابية بعدد من الدوائر، بالخلل، والذى يتوقع بأن يتفاقم ما لم تترجم رسالة الصمت الانتخابى إلى إجراءات إصلاحية وحلول عملية لمشاكل الناس. ولا شىء يوحى بأن فرض المواقف له مستقبل قياسا على تجارب الماضي، والكل يعرف أن المصريين لا تفرض عليهم المواقف، لا طرف يستطيع إجبار الآخرين على قبول الأمر الواقع.. ولا أحد يمكنه أخذ إرادة الناخبين بالرشاوي. نقطة البداية كما تفهم من رسالة صمت الناخبين فى المرحلة الأولى هى احترام القانون وإقراره وتطبيقه على القوى والضعيف. الكل متساوون أمام القانون، ولكن ماذا بعد؟ هل وصلت رسائل الصمت إلى المعنيين؟ وماذا هم فاعلون؟ لابد أن تظهر أفعالهم ورد فعلهم خلال المرحلة الثانية من الانتخابات والتى ستجرى الشهر المقبل. الأحزاب السياسية تتحمل المسئولية فى ضعف إقبال المصريين فى الانتخابات البرلمانية حيث لم تتواجد برامج انتخابية قوية قادرة على دفع المصريين إلى المشاركة فى الانتخابات. ولم تهتم الأحزاب بأن تقنع المصريين بأهمية البرلمان المقبل، ولم تدفع بمرشحين لهم تاريخ يذكر فى العمل السياسى ، وهو ما ساهم فى إضعاف نسبة المشاركة. ولكن ضعف نسبة التصويت فى الانتخابات لا يؤثر على شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسى ولا يتعلق بفقد المصداقية فى النظام كما تروج الجماعة الإرهابية فى المجتمع. كما أن إحجام الشباب بشكل خاص عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية يرجع إلى عدم وجود آلية تكنولوجية حديثة تعمل على تشجيعه على المشاركة، حيث إن الجيل الشبابى الحالى يعتمد على التقنية الحديثة فى إدارة كل نواحى حياته، وهو الأمر الذى يتطلب تغيير طبيعة نظام التصويت إلى التصويت الإلكترونى لمخاطبة الشباب بالوسائل التى تتماشى مع نمط حياتهم. لكن الأهم فى هذه الأجواء هو المصداقية فيما يتم طرحه من حلول وإحساس الناس بأن كل الإصلاحات لصالح عامة الشعب وليس لفئة دون أخري. إن درس الصمت المدوى فى المرحلة الأولى للانتخابات لابد أن يراعى كلمة الناس وحقوقهم وتنفيذ الوعود التى قطعتها الحكومة على نفسها من تدبير وظائف للشباب العاطل وتوظيف طاقاتهم لخدمة مصر. أين البرامج الطموحة التى تترجم آمال المصريين إلى مشروعات تخدمهم وترفع من مستواهم المعيشى لتوفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة؟ الرأى الجمعى للمصريين يجمع على ثوابت اتفق عليها الجميع وهى العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لابد أن تتوافر للجميع حتى يسود العدل فيما بينهم. إن حاجة الناس وشعورهم بأن مطالبهم الجذرية على طريق التحقق سيؤدى إلى المشاركة التى تبدأ بالعمل والإنتاج، وليس الاتكال والانتظار حتى يتم الفرج. إننا أمام معضلة حقيقية لابد من حلها وتجاوزها وهى معضلة العمل والمشاركة. فمنذ ثورة 25 يناير مرورا بثورة التغيير والإصلاح فى 30 يونيو، لم تقم حملات لحض الناس على العمل والإنتاج. فكل السياسات التى تلت الثورتين هى تحقيق كثير من المطالب الفئوية التى قامت على خلفية استغلال بعض الظروف التى يمر بها البلد، ولم تقم هذه السياسات على برامج محددة لحل كامل مشاكل المصريين. لذلك فإن تحقيق بعض المطالب الفئوية أغرت فئات أخرى أن تقوم بنفس السلوك مما أدى إلى ثقافة الاعتصام وترك العمل وعدم المشاركة. الأمر الذى تُرجم إلى عدم وجود ثواب ولا عقاب. الكل متساوى ، سواء يعمل أو لا يعمل، لذلك كان الصمت الانتخابى فى المرحلة الأولى اعتمادا على أن كل شيء ليس مهماً، وأن من يريد أن يفعل شيئاً يفعله. وغابت الإرادة الجماعية التى هى الدينامو الذى يحرك التقدم والتنمية فى المجتمع. فى مطلق الأحوال أصبح المجتمع مجزأ فى مطالب فئوية، لذلك يجب أن تعود الإرادة الجماعية والمصلحة العامة وهذا مربط الفرس. على المعنيين أن يترجموا كيفية الوصول إلى الإرادة الجماعية فى برامج محددة. وهذه هى رسالة صمت المرحلة الأولى للانتخابات. وفى هذا الإطار عندما أحس المصريون بصدق ما طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما أقدمت الحكومة على رفع أسعار الوقود، استجاب الناس وتحملوا على أساس أن رفع أسعار البنزين هو حل جذرى لمشكلة الدعم. وفى وقت سابق عندما طلب الرئيس السيسى أن ينزل الناس لإعطائه تفويضاً للقضاء على الإرهاب نزل الجميع استجابة لنداء الرئيس. انطلاقاً من هاتين التجربتين يجب الاستجابة إلى رسالة الصمت المدوى. طرح الحلول الطموحة التى تخدم كل الناس. مصر أيها السادة دفعت الفواتير على مدى أكثر من 30 عاما، والمصريون عانوا ما لا يُطاق وتحملوا ما لا يتحمله الآخرون ولهم الحق فى الحد الأدنى من الحياة الكريمة.!