وتبدو الكتابة عن يوم فالانتين، أو عيد الحب، فى عالم ممتلئ بالكراهية، والتعصب، والجَشَع، جُرأةً لا أُحسَدُ عليها. وفعلاً، ترددت كثيرًا، قبل أن أبدأ، بالكلمة الأولى. صوتٌ داخلىٌّ، يندهش فى مَرارة، وأَسَى، ويسألنى: «أتكتبين عن الحب، فى عالم أصبح بُحورًا من الدم.. على كوكب يصنع أسلحة الدمار الشامل، ويُطلقها على قلوبنا، وأجسادنا، وبيوتنا، وأوطاننا؟». هذا سؤال منطقى. وفى مُنتهَى الوجاهة، والواقعية. سؤال مُحرج، مُحير، يجعل الكتابة عن الحب، نوعًا من العبث، واللا جدوَى. لكننى أومن أنه كلما ازداد العبث، واللا جدوَى؛ ازدادت ضرورة التحدى، والمقاومة. وقناعتى أن اليأس المطلق من كل الأشياء، هو البداية الحقيقية، للاستيقاظ، والتحرُّك. ولأننى وصلتُ إلى قمة اليأس؛ فإننى سأكتب عن 14 فبراير ، عيد الحب، فى عالم مضاد للحب. «الحب»، ذلك الساحر، الذى يشفى الروح، بالفرح المستحيل، يمد الجسد بالسُّعُرات العاطفية، الضرورية، للتخلص من أمراض التملك، تذيب سَمنة العزلة، تُفتت الشهوات الجشعة. «الحب»، الذي يزيل عنا جميع الأثقال. نصبح في خِفة الريشة، ونطير كنسائم الهواء، وسحابات السماء. نَعبر البُحور، والجبال، والأنهار، والتقاليد الحمقاء . «الحب»، يجعل الرجل، يخجل، من ميراثه الذكورى القاهر المستبد . «الحب» ، يجعل المرأة، تشمئز، من ارتداء ثوب الطاعة، والخضوع. أين يذهب الحب، في عالم شطب مترادفات الحب من لغاته؟. ذهب إلى أقلية، غير منتمية، مغتربة، بالضرورة. تقاوم فى أنبل معركة.. أن يبقى الإنسان إنسانًا، متشبثًا بإنسانيته، وسط الوحوش المفترسة. وحتى يفوز حزب الأقلية، حزب الحب، يجب على أنصاره، وأعضائه، من النساء والرجال، المشاركة فى صنع حضارة عالمية جديدة. وهذه المشاركة غير ممكنة، إلا عندما يصبحون، جزءًا من كتابة الدساتير، وسَنّ التشريعات والقوانين، وابتكار عادات وتقاليد جديدة، وخَلق إعلام، يطارد التفرقة بين البشر ، بكل درجاتها، وأشكالها . يجب على أنصار، وأعضاء، حزب الحب، نساءً، ورجالاً، ألا يقعوا فى وهْم، أن الحب ممكن، بينما كوكب الأرض، محاصر بالدم، والحروب، والاغتيالات، والحرائق، والتفجيرات، والتهديدات، والفتن البغيضة، والمصالح والصفقات، التي تستثمر في المخدرات، والدعارة، وبيع الأعضاء البشرية وتهريبها من أجساد الفقراء إلى أجساد الأثرياء، وشبكات دولية تربح من إشعال الإرهاب، وتمويل أنصار قيام الدول الدينية، والمتخصصين في تغييب عقول البشر، أو تسطيحها، أو إصابتها بالشلل. كان ممكنًا، أن تُنشط لدينا هورمونات إنسانية عميقة. كان ممكنًا، أن تتدفق أنزيمات الخير والنُّبل والصدق، فترقُّ القلوب، وتتفتح بالنور العقول. فـ نصبح أكثر تأهيلاً للإحساس بالحب؟ وأكثر وعيًا بأهميته؟ وأكثر استحقاقًا؛ لأن يمنحنا سِحْرَهُ، ونشوته، وبعضًا من أسراره؟. لكن «سبق السيف العزل». وأصبح هذا العالم، القبيح، «قدرنا». ودعونا نعترف. حتى إذا كان الاعتراف مؤلمًا. نحن - شئنا أَمْ أبينا - ساهمنا، بدرجات وأشكال متباينة، في خَلق هذا العالم . ولانزال، نساهم فى الإبقاء عليه، مضادّا، وكارهًا، وخصمًا، للحب. هكذا تتكلم الحقيقة، ناصعة الصدق والشجاعة، في خضم السواد. حقيقية «عارية»، من جميع الادعاءات الكاذبة، والأوهام المضللة. الحقيقة؛ أننا لا نبذل مجهودًا كافيًا، لكى نصبح جديرين، بهذا الكائن الرقيق، المهذب، المؤدب، السوىّ، المخلص، .. «الحب». الحقيقة، أننا نريد أن نذهب إلى «الحب»، تلك العاطفة النظيفة، ونحن لم نستحم بالقدر الملائم . نريد أن نذهب إلى «الحب»، ذلك المتأنق، ونحن نفتقر إلى الشياكة. نريد أن نذهب إلى «الحب»، وهو الهادئ، الوديع، بكل ما أوتينا من صخب. نريد أن يحبنا أحد، ونحن لا نرى، عَجْزَنا عن الحب. من واحة أشعارى: الحقيقة الكبرى المثبتة الحقيقة الوحيدة تمامًا مثل الموت هى أننى «أحبك».>