أعلم كما يعلم غيرى أن حملات الإزالة التى تقوم بها الأحياء، تهدف فى المقام الأول إلى رفع الإشغالات عن الطريق العام، لتسهيل حركة السير والحفاظ على الأمن وعلى الشكل الجمالى للشارع المصرى تطبيقًا للقانون، ولكن ما لا أعلمه عن هذه الحملات ينحصر فى غياب الرحمة عن قلوب وأنفس القائمين عليها، أتحدث هنا عن واقعة بائعة خضار دمياط «كريمة حمدان» التى لم يرحم رئيس مدينة رأس البر دموعها وهو يأمر رجال حملته بإلقاء ما تسترزق منه من خضراوات على الأرض، حتى بعد أن قبلت قدميه التى عاد وركلها بها «طبقًا لأقوالها»، كريمة أكدت للقاصى والدانى «أن ما تفعله غلط ومخالف للقانون» ولكن السعى خلف الرزق هو ما جعلها تبيع خضراواتها فى مكان ممنوع فيه الوقوف، خاصة فى ظل وجود زوج مريض وأطفال صغار يحتاجون للرعاية وبنات «على وش جواز» وظروف حياة لا ترحم، بعيدًا عن موقف مسئول لايتمتع قلبه بأدنى درجة من درجات الرحمة، فما يشغل عقله قبل قلبه هو تنفيذ القانون وإعماله على مواطنة «غلبانة» حتى ولو بإلقاء ما تبيعه من خضراوات على الأرض.. سيادة المسئول إياه لم يتساءل أو حتى يكلف نفسه أو يشغل عقله: هل هذا الخضار الذى تم إهداره وإتلافه على الأرض تم دفع ثمنه من حر مال البائعة أم مشترَى بالدين لحين بيعه وسداد ثمنه؟، ولم يتساءل أيضًا عن سر دموع وتوسلات البائعة التى وضعها حظها العسر أمامه فى هذا اليوم؟، وهل هناك أسواق رسمية تستطيع هذه السيدة أو غيرها أن تبيع فيها خضارها؟، جل هذا لم يراه سيادته، ولم ير سوى مواد القانون الصماء، وبالطبع لا مجال هنا لروحه خصوصًا على من هم مثله، الرجل لم تأخذه شفقة بمواطنة هو مكلف أساسًا بخدمتها والعمل من أجلها، ولذا تمت إهانتها بهذا الشكل المتعمد، ولم ير فى رحمة وعطف الرئيس السيسى شيئًا، عندما تبرع من حر ماله لشراء سيارة بضائع لسيدة الإسكندرية عندما شاهد صورتها فى أحد مواقع التواصل الاجتماعى وهى «تجر تروسيكل» محملًا بالبضائع تنقلها من مكان لآخر لكسب قوتها وقوت أسرتها، مؤيدًا وداعمًا لسيدة مصرية طلب مقابلتها شخصيًا، تعمل وتسعى لكسب رزقها بعيدًا عن مد اليد، صحيح أن محافظ دمياط الدكتورة «منال عوض» طيبت خاطر كريمة ورفضت إهانتها أو إهانة أى مواطن، كما أمرت بإحالة المسئولين عن الواقعة إلى التحقيق، واتخاذ جميع الإجراءات فى شأنهم حال أدانهم التحقيق، كما وعدت ببحث حالتها ومحاولة توفير مكان آمن لها، وكذلك حسنًا فعل مدير أمن دمياط عندما أرسل مندوبًا عنه لتطييب خاطر البائعة، ولكن يظل وجود أمثال هذا المسئول فى الحياة العامة أمرًا فى منتهى الخطورة، فوجود هؤلاء الذين لا يعرفون مهام الوظيفة العامة، ولا تتمتع قلوبهم بأى نوع من أنواع الرحمة، يهدد السلم والأمن الاجتماعى لأى مجتمع، ولا يجيدون سوى الحديث عن هدم أركان الدولة فى حالة تعرضهم لأى مأزق أو مشكلة تواجههم، هؤلاء مطلوب خضوعهم لدورات تدريبية وتعليمية تسمح لهم بالتعامل مع المواطنين بأدب ودون تعريضهم للإهانة قبل أن يتولوا مناصبهم، خاصة أن جميع مؤسسات الدولة تنادي بضرورة الوقوف بجانب المواطن البسيط وعدم إهانته ودعمه، من أجل ذلك نطالب جل مسئول كل فى موقعه، بحسن اختيار من يمثله عندما يتعامل مع المواطنين حفاظًا لحريتهم وكرامتهم التى قد لا يراها البعض .