توقفت كثيرًا أمام تصريح لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بعد قبوله وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة بوساطة مصرية، يقول: (إنه فى وقت الطوارئ عندما تتخذ قرارات حيوية للأمن لا يمكن للرأى العام دومًا أن يكون مطلعًا على الاعتبارات التى يجب ألا يطلع عليها العدو)، ثم قام بتفسير تصريحه موضحًا: أنا أرى مع قادة الأجهزة الأمنية الصورة الشاملة لأمن إسرائيل والتى لا أستطيع إشراك الجمهور فيها، وأضاف: المخفى أكثر من المكشوف فى المجال الأمنى، وأنا لا أستطيع أن أقدم أى تفاصيل بشأن الخطط الإسرائيلية. ولكن إسرائيل هى التى تحدد الشروط والوقت المناسب لها ولأمن مواطنيها، وأنا لدىّ أسباب سرية لا أستطيع كشفها، والقيادة ليست فى تبنى القرار السهل، وإنما فى اتخاذ القرار الصائب حتى ولو كان صعبًا أن تطلع على تفاصيل سرية لا تستطيع إشراك الجمهور بها (انتهى كلام نتنياهو).
هذا ما قاله رئيس وزراء إسرائيل عندما اعترض وزير الدفاع (أفيجدور ليبرمان) المعروف بيمينيته المتشددة وكرهه للعرب ومصر خاصة عندما كان يصدر تصريحاته العدائية وهو مجرد عضو فى الكنيست بضرب السد العالى وقد تسبب فى كثير من الأزمات السياسية بين مصر وإسرائيل منذ بداية الألفية الثانية، وهو ما دعاه لتقديم استقالته اعتراضًا على قبول رئيس وزرائه وقف إطلاق النار، ولَم يقف عند هذا، بل هو وحزبه المتشدد تطرفا أثاروا الرأى العام الإسرائيلى ضد القرار مطالبين نتنياهو بإعلانه لماذا اتخذ هذا القرار، وكان ليبرمان يريد بذلك إحراج نتنياهو أمام الرأى العام الإسرائيلى لأنه لا يمكنه البوح بأسباب اتخاذه هذا القرار، وتمادى فى معارضته مطالبًا بإجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة للإطاحة بنتنياهو فى هذا الظرف المتأجج ليدخل المنطقة فى صراع مع إسرائيل جراء أفعاله المتشددة والعنيفة.
المهم فى هذا هو تصريح نتنياهو ومواجهته للمعارضة الإسرائيلية بالقول: إن هناك أمورًا لا يمكن إفشاء سريتها لمصلحة بلاده وأمن مواطنيه وتجاهل نداءات المعارضة بالجهر بالأسباب، هذا فى دولة يصنفها المجتمع الدولى بأنها صاحبة الديموقراطية الوحيدة والحقة فى منطقتنا الشرق أوسطية، وأنها تصارح الرأى العام بكل صغيرة وكبيرة وأن المعارضة لها اليد الطولى هناك، إلا أن ما حدث هو ضرب أفعال المعارضة عرض الحائط ليس هذا وحسب، بل استلم نتنياهو نفسه حقيبة وزارة الدفاع ليحمى قراره بالسيطرة على المؤسسة العسكرية، وعندما وجه كلامه للرأى العام كان ثابتًا عند البوح بمعلومات سرية وأن هذا من عمل القادة السياسيين والأجهزة الأمنية.
وفى هذا أنا أعرض لموقف سياسى عسكرى تطلب السرية، فى حين ما حدث هذا عندنا تضج أبواق المعارضة سواء الوطنية أو الإخوانية لإثارة الرأى العام لمعرفة أسباب اتخاذ قرارات أو إجراءات معينة ضاربة بأمن الوطن والمواطنين عرض الحائط لحصول حضراتهم على معلومات تضر بالبلاد والعباد، ويصير التشنيع لقيد الحريات أو التنقل فى مناطق معينة مثل (سيناء) مثار تطاول على الدولة والقيادة السياسية، ونعت مصر بأنها دولة غير ديموقراطية وخلافه. إذن ما رأيهم فى دولة الديمقراطية والسباقة تكنولوجيا وحداثة عسكرية كما تصنف عالميًا ويرددها المحليون كيدًا فى بلادهم، على الرغم من أن بلدنا يفوق إسرائيل مساحة وتعدادًا سكانيًا والتحديات كثيرة والعدائيات من كل جانب، ومع ذلك يطالب البعض بأن تكون معلومات القيادة السياسية والأجهزة مشاعًا ولا يهم من سيكون المستفيد من إفشاء سرية المعلومات؟
فى كل الأحوال إذا كانت لدى نتنياهو معلوماته السرية الخاصة بما يمكن حدوثه إذا لم يتخذ قرارًا بوقف إطلاق النار، إلا أنه يبقى سبب آخر نرصده نجده من الأهمية بمكان وهو (التكلفة الاقتصادية) للعمليات الإسرائيلية ضد قطاع غزة وما هى الفائدة التى ستعود عليهم من جراء تلك التكلفة الباهظة.
لقد أنفقت إسرائيل خلال ٤٠ ساعة من التصعيد على غزة ما يقدر بـ ١٢٠ مليون شيكل بموجب ٢٠ مليون شيكل لليوم الواحد، وذلك لارتفاع التقنيات العسكرية التى تستخدمها مثل مقاتلات (F 15) التى تقدر كلفة الساعة الواحدة للتحليق ١٤٠ ألف شيكل، والهليكوبتر بـ٥٠ ألف شيكل، والطائرات بدون طيار ٢٠ ألف شيكل، وتكلفة القوات الأخرى مليون شيكل، واستخدمت ١٠٠ صاروخ تكلفة الصاروخ الواحد ٢٠٠ ألف شيكل، هذا علاوة على الأضرار فى الممتلكات الخاصة والمستوطنات التى نتجت عن المقاومة الفلسطينية.
هذا بعض من دواعى اتخاذ رئيس وزراء إسرائيل قرار القبول بوقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية بوساطة مصرية التى قدمت تقاريرها للجانبين عما سينتج من استمرار هذا الاشتباك وانعكاسه على كل منهم، وعلى دول الجوار وخاصة مصر فى ظل التوتر السائد فى المنطقة.
|