عاشت فرنسا صراعاً سياسياً بعد أن خسر نابليون معركة واترلو 1815، وكتب الفرنسيون عن الأزمة النفسية التى يعيشها الشباب وقتها، ثم ثار المجتمع وبدأ ثورته الثقافية فى القرن التاسع عشر والتى قام بها علماء وأدباء وفنانون أصبحوا بعدها من أعلام الإنسانية. ولأن المجتمع الفرنسى يحب الحياة فقد صنع المستقبل، واليوم عدد الفرنسيين 66 مليونًا، ناتجهم المحلى 2.2 تريليون دولار، وهو يساوى الإنتاج المحلى لكل العرب وعددهم 390 مليونًا، فالمجتمع الفرنسى مجتمع صناعى، والمجتمع العربى ينتج القليل ويستورد الكثير. وتُعتبر الدولة انعكاسًا للناس، فالأنظمة السياسية تشبه شعوبها، فالمجتمع المتحضر ينتج دولة متحضرة، والمجتمع المتخلف ينتج دولة متخلفة، كما أن المجتمع لا يتغير لمجرد قيامه بثورة، وهو ما زال نفس المجتمع الذى أفرز الأنظمة الديكتاتورية وتركها تحكم لمدة طويلة، وبدون ثورة أخلاقية وعلمية لا يوجد أى معنى للثورة السياسية، لأن الشعب الذى لا يملك مستوى علميًا وأخلاقيًا عاليًا لن ينتج مستوى سياسيًا أفضل. فالمجتمع المصرى لم يتغير، نفس التخلف والفساد والتحرش والتطرف، وهى أشياء ليس المسئول عنها النظام السياسى وحده، بل الناس مسئولة أيضاً، فالثورة قد تقضى على الحاكم الديكتاتور ولكنها لن تقضى على التخلف الأخلاقى والعلمى الذى وصل إليه الناس. ولذلك يجب أن يتم تغيير الثقافة العامة للناس، الثقافة التى تشجع الكسل والتواكل وتحارب العلم والعمل وتقمع الرأى والنقد. فالمشكلة موجودة فى ثقافة الناس، وإذا لم تحدث عملية إصلاح شاملة للقاعدة فلا يمكننا مطالبة القمة بأن تكون أفضل، ومن يريد الإصلاح يجب أن يبدأ من معالجة مشكلات المجتمع اليومية وأهمها أخلاقياته، وكل إصلاح على مستوى القاعدة سينعكس إيجابياً على القمة مع مرور الوقت، المهم أن يبدأ الإصلاح الاجتماعى والأخلاقى قبل الحديث عن أى إصلاح سياسى أو مستقبل أفضل. فالشعوب والمجتمعات تتطور بتغييرها وتتقدم بإنجازاتها، وهذه سُنة الله فى خلقه: (..إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد 11.